‫الرئيسية‬ Uncategorized غرب كردفان… شهادة وسط الرماد. .. حوازم مقدم
Uncategorized - يوليو 12, 2025

غرب كردفان… شهادة وسط الرماد. .. حوازم مقدم

حوازم مقدم

وسط دخان الحرب وركام المدن المنكوبة، أسدل الستار قبل يومين على امتحانات الشهادة السودانية، في مشهدٍ تختلط فيه الدموع بالفخر، والخوف بالإصرار. وبينما جلس الآلاف في ولايات السودان المختلفة لأداء الامتحانات، لم يكن نصيب ولاية غرب كردفان سوى (323) طالبًا وطالبة من أصل (12,280). رقم قد يبدو ضئيلاً على الورق، لكنه في جوهره شهادة حياة وسط الموت، وإعلان بأن جذوة التعليم لا تزال مشتعلة… رغم الريح، رغم الرماد.

في ولاية تئن تحت قبضة المليشيا، وتخضع أكثر من أربع عشرة محلية فيها لسطوة الدعم السريع، بات الذهاب إلى المدرسة مغامرة، والجلوس للامتحان بطولة. فالتعليم هناك لم يعد مقررات تُدرّس، بل معركة تُخاض يوما بيوم. في تلك المناطق، لا أحد يسأل عن القلم… فالرصاصة أسرع.

قيل ان الدعم السريع يمنع الطلاب من الوصول إلى مراكز الامتحان، لكن الحقيقة أفظع: إنهم يقنصون الأحلام في “النشنكة”، ويغتالون الطموح قبل أن يصل إلى عتبة الجامعة. ما يجري ليس استهدافا للتلاميذ فحسب، بل حرب معلنة على فكرة المستقبل ذاتها.
ومع ذلك… وجد من حمل الشعلة.

الطلاب النازحون الذين فروا إلى شمال كردفان، وجدوا هناك صدورا رحبة، وقاعات مهيأة، وقلوبا لم تنس معنى الوطن. لم يُتركوا على قارعة الانتظار، بل استقبلوا كما يستقبل الأهل في وقت الشدة. أما وزارة التربية بغرب كردفان، فخاضت معركتها بصمت، دون دعم اتحادي، ودون ميزانية، فقط بالعزم والايمان

أساتذة غرب كردفان لم يكونوا موظفين يؤدون واجبا روتينيا، بل مقاتلين في معركة الوعي. وقفوا على خط النار بلا سترات واقية، ولم ينتظروا راتبا بل رجاء. لم يتغيبوا، لم يساوموا، لم يخذلوا أبناءهم. كانوا يعلمون أن سقوط المدرسة يعني سقوط الجدار الأخير.

وحدها حكومة الولاية، بما بقي لها من إمكانيات، حاولت أن تسند الظهور المنحنية في ولاية نُهبت حتى العظم، وجُرفت مواردها حتى صار ترابها بلا ظل، وسكانها بلا سند.

أما وزارة التربية والتعليم الاتحادية، فلا تزال تمارس الغياب وكأنه سياسة: لا تمويل، لا دعم، ولا حتى خطاب اعتذار. بينما الواجب كان ولا يزال شراكة صادقة تُعيد لهذا الجيل حقه في الحلم. والبداية يجب أن تكون من المعلم
دعمه، تكريمه، حمايته، وإعادة اعتباره، لأنه آخر من بقي في ميدان التعليم حين انسحب الآخرون.

وسجّل التاريخ، بأحرف من امتنان، وقفة شمال كردفان. فتحت قلبها قبل مدارسها، واستضافت أبناء غرب كردفان في وقت عزت فيه المواقف. لم تكن ولاية جارة فقط، بل كانت سيدة المشهد، وصاحبة الفضل الذي لا يُنسى.

أما قرار نقل حكومة غرب كردفان إلى الأبيض، فرغم تأخره، يظل خطوة شجاعة في الاتجاه الصحيح. لكن الشجاعة لا تكتمل إلا بالفعل. فالنازحون لا يحتاجون إلى الخطب والوعود ، بل إلى حضورٍ حقيقي. مخيمات النزوح لا تنتظر زوّارًا بل أهلًا، والخريف لا يؤجل مأساته، والمشمعات لا تصدّ البرد ولا تُغني عن مأوى، وهي أصلاً غير متوفرة.

غرب كردفان لا تطلب المستحيل. تطلب وقفة. بل نفرة وطنية تُعيد للمعلمين اعتبارهم، وتمنح النازحين ما يكفي لليوم والغد، وتدعم أولئك الذين ما زالوا في الخنادق، يدافعون عن ما تبقّى من ترابٍ وشرف.

نعم، هي ولاية غنية… لكن غناها سُرق، وجرحها لا يزال مفتوحًا. لم يبقَ فيها إلا كرامة شعبها، وإيمانهم بأن هذا الليل، وإن طال، فالصبح آت . لكن الإيمان وحده لا يُطعم طفلًا، ولا يُرمم مدرسة. لا بد أن تفهم الدولة أن التعليم ليس ترفا، وأن الصحة ليست خدمة تكميلية، بل إنهما معا أساس البقاء، وأمل النجاة.

فالأوطان لا تُبنى بالحشود، بل بالكتب. ولا تنهض بالشعارات، بل بالفصول الدراسية. والنازحون ليسوا أرقاما في نشرات الأخبار أو إحصائيات المسؤولين، بل أرواح تبحث عن دفء، وقلوب تنتظر يدا لا تخذل.

هذا ليس عتابا.. بل صوت من عمق الأرض.

سيدي رئيس المجلس السيادي
غرب كردفان لا تسأل صدقة، بل تسأل عدالة.
وتنتظر منكم وقفة حقيقية برعايتكم المباشرة.

وافر الاحترام والتقدير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الرباعية.. لعبة الظلال وسر السلام المختفي ..رشان أوشي

الرباعية.. لعبة الظلال وسر السلام المختفيرشان أوشي حالياً، أصبح على السودانيين توقع أي شيء…