امسية أبيي الثقافية …الفن يؤكد الانتماء ويكشف الغياب الرسمي”. حوازم مقدم
لم أكن من ضمن المدعوين للأمسية الثقافية التي نظمها المجلس الأعلى لتنسيق شؤون أبيي تحت شعار “أمسية ثقافية في حب الوطن”. فقد تزامن وجودي بدار الشرطة مع اجتماع آخر، غير أن ما تناهى إلى سمعي وما وثقته عدسات الحاضرين كشف عن فعاليةٍ أنيقة ومُنظمة، امتزج فيها الفن بالوجدان، والوطنية بالفخر بالهوية.
كان الحضور لافتًا من أبناء وبنات دينكا نقوك، وتزينت القاعة بضحكات أطفال الفرقة الشعبية الذين منحوا الأمسية روحًا من الفرح والبراءة. تفاعل الجمهور بحماس مع الأغاني الوطنية التي رددها أحد فناني أبيي، مستعيدًا روائع فرقة عقد الجلاد والراحل حمد الريح، وكأن الأنغام تُعيد رسم صورة السودان الواحد، المتنوع، رغم جراحاته.
اسم أبيي كان حاضرًا في كل التفاصيل — من عنوان الفعالية إلى الشركة الراعية “شركة أبيي للاستيراد والتصدير” — في دلالة رمزية على التمسك بالأرض والانتماء إليها مهما تبدلت الجغرافيا السياسية.
إنها رسالة عميقة تقول بوضوح إن الهوية ليست قرارًا سياسيًا يُمنح، بل إحساسٌ لا يُنتزع.
لقد أحسن المجلس الأعلى لشؤون أبيي، بقيادة رئيسه شول ميين، صنعًا بإقامة هذه الأمسية التي أيقظت في الناس الإحساس بوحدة الوجدان، وأكدت أن أبيي — رغم كونها منطقة متنازعًا عليها — ما تزال تنبض سودانيةً الهوى والروح، وتغني في حب وطنٍ يئن من النزف لكنه لم يفقد صوته بعد.
غير أن المشهد الثقافي، على جماله، ألقى بظلال من الأسئلة التي لا يمكن تجاهلها.
أين مؤسسات أبيي الرسمية من مثل هذه الفعاليات؟
وأين حضورها في المشهد الثقافي الوطني، وهي المعنية أولًا بإبقاء قضية أبيي حاضرة في الوعي الجمعي السوداني؟
غياب هذه المؤسسات عن فعالية بهذا المعنى وبهذا الزخم لا يمكن تبريره، خصوصًا في وقتٍ تحتاج فيه أبيي إلى كل صوتٍ يذكّر بها.
فقد كان من الطبيعي أن يتصدر ممثلو مؤسسات أبيي الرسمية الصفوف الأمامية في هذه الأمسية، لا أن يغيبوا عنها وكأن الثقافة شأنٌ هامشي.
إن الثقافة ليست ترفًا، بل هي جبهة من جبهات الصراع على الذاكرة والهوية — ومن يتخلف عنها يخسر معركة الوعي قبل أن يخسر الأرض.
غياب أبناء المسيرية أيضًا عن الحضور أثار علامات استفهام أخرى. فهم شركاء الأرض والمصير، وكان حضورهم سيضفي معنى أعمق للوحدة والتعايش، ويعيد التوازن المطلوب في مشهدٍ ظل لسنوات حبيس السياسة.
ولعل في ذلك دعوة صادقة لكل الأطراف أن تلتقي — لا في ميدان الخلاف — بل في ساحات الفن والثقافة التي تعيد تعريف الانتماء.
اللافت أن الأمسية بدأت بـ النشيد الوطني السوداني ثم نشيد العلم الجنوب سوداني، في مشهدٍ جمع رمزية الماضي والحاضر، وأكد أن دينكا نقوك ما زالوا الجسر الذي يربط بين وطنين وشعبين، وأن جذورهم الممتدة شمالًا ما تزال ضاربة في عمق السودان.
ومع كل هذا الجمال، تبقى الخلاصة مؤلمة:
أن أبيي تواصل الدفاع عن انتمائها عبر المبادرات الفردية وجهود المجتمع الأهلي، بينما تغيب مؤسساتها الرسمية عن المشهد كأنها لا تعي حجم مسؤوليتها التاريخية.
إن الثقافة هي الذاكرة الحية للأوطان، وأبيي اليوم بحاجة لمن يحمل صوتها في كل محفل وفعالية.
فالوطن الذي ينزف لا يحتاج فقط إلى سلاحٍ يحميه، بل إلى صوتٍ يغني له ويذكر به — حتى لا يسقط من الوجدان قبل أن يسقط من الخريطة

في إجتماع خاص مع إدارة الإعلام بالصحة الاتحادية قيادة الوزارة تشيد بالأداء المتميز لإدارة الإعلام خلال المرحلة السابقة،مدير إدارة الإعلام :الإعلاميين شركاء حقيقيون في نجاح الإدارة
الخرطوم -كوين برس عُقد اجتماع خاص بإدارة الإعلام بوزارة الصحة الاتحادية، بحضور وزير الصحة …