‫الرئيسية‬ Uncategorized يوم التفويض… صرخة شعب تعلو فوق ضجيج المؤامرة ومن تحت الرماد… صعود الإرادة السودانية في وجه العدوان الخارجي. مسارب الضي | د. محمد تبيدي
Uncategorized - ‫‫‫‏‫يوم واحد مضت‬

يوم التفويض… صرخة شعب تعلو فوق ضجيج المؤامرة ومن تحت الرماد… صعود الإرادة السودانية في وجه العدوان الخارجي. مسارب الضي | د. محمد تبيدي

في الثالث عشر من ديسمبر، يقف السودان على موعد مع يوم مختلف، يوم اختارت له الجماهير اسماً واضحاً لا يحتمل التأويل: يوم نصرة الجيش السوداني، يوم التفويض الشعبي، يوم الاصطفاف خلف القوات المسلحة التي تدافع عن بقاء الوطن نفسه. ليس حدثاً عابراً، ولا مسيرة بروتوكولية، بل موجة هادرة ستخرج من أعمق طبقات المجتمع، تحمل في صوتها ما عجزت كثير من المنابر الدولية عن فهمه، وما تجاهلته بعض العواصم عمداً.
إنه اليوم الذي يقرر فيه الشعب أن يقول كلمته بلا وسيط، وبلا رتوش.

منذ اندلاع الحرب التي أشعلتها مليشيا آل دقلو المتمردة بدعم مباشر من محمد بن زايد، ظل الشعب السوداني يراقب، يوثق، يقاتل، ويقاوم، حتى اتضح المشهد بكامل تعقيده. لم تعد الحرب مجرد اشتباك بين قوة نظامية وجماعة مسلحة؛ بل أصبحت مواجهة بين كرامة وطن ويد أجنبية تعبث بمصيره. ولذلك لم يكن مستغرباً أن تتداعى القوى الشعبية، لجان المقاومة الشعبية ، الإدارات العامة بمختلف المسميات ، الروابط المجتمعية، النقابات، الطلاب، العسكريون المتقاعدون، وأسر الشهداء، للخروج في مسيرات السبت الكبرى، تعبيراً عن وقوف ثابت مع الجيش بعد دحر التمرد في مناطق عديدة، وكشف المخطط الخارجي الذي حاول إعادة صياغة السودان وفق أجندة لا تخدم إلا من موّل وسلّح وحرّض.

لكن السؤال الذي يتردد اليوم في الشارع: هل الغرض هو التفاف الشعب حول الجيش، أم التفاف الجيش حول الشعب؟
في الحقيقة، ليست هناك هوّة بين الطرفين حتى يُسأل السؤال بهذه الثنائية.
فالجيش السوداني لم يأت من خارج المجتمع حتى يحتاج إلى التفاف الجماهير حوله؛ هو جزء من تكوينه، وهوية من هوياته، وأبناء الشعب فيه أكثر عدداً من أي مؤسسة أخرى. والشعب نفسه، حين يهتف للجيش، فإنه يهتف لأبنائه، لإخوانه، لدمائه التي تدافع عن تراب الوطن.

والمفارقة أن العالم، الذي ظل يتعامل مع السودان بميزان مضطرب، لم يلتفت إلى صوت الجماهير إلا عندما تتخذ شكل المليونيات. ومع ذلك، لم يكن تقديره دائماً في الاتجاه الصحيح. فقبل المسيرة الهادرة بيومين فقط، صدرت عقوبات جديدة على أربعة قيادات في الجيش، وكأن الرسالة تقول إن إرادة الداخل لا تُحتَرَم إلا إذا جاءت منسجمة مع رغبات الخارج. وهنا يبرز السؤال الأصعب: هل ينوي العالم أن يستمع إلى مطالب الشعب السوداني بعد هذه المسيرات، أم أنه سيبقى أسير رؤيته المختزلة المدفوعة بالضغوط والصفقات والتوازنات؟
وماذا تريد دول الجوار من السودان؟ هل تريد دولة مستقرة قوية، أم دولة ممزقة يسهل جرّها إلى مربعات النفوذ؟

الملفات التي تحيط بالسودان ليست بسيطة:
حدود مشتعلة، اقتصاد مستنزف، أطماع إقليمية مكشوفة، صراع دولي على البحر الأحمر، ومليشيا متمردة تحولت إلى أداة في يد من موّلها لتغيير المعادلة في المنطقة.
ولذلك، فإن خروج الشعب يوم السبت بحجم كبير وزخم لا ينفصل عن إدراكه أن المعركة ليست محلية فقط، وأن الخصم ليس مجرد مليشيا، بل منظومة متشابكة يربطها هدف واحد إضعاف السودان حتى يسهل ابتلاعه أو تطويعه.

هذه المسيرات تقول للعالم بوضوح إن السودان ما زال يمتلك قراره الداخلي، وإنه ليس ساحة مفتوحة لمن شاء أن يعبث. وتقول أيضاً إن الجيش ليس مجموعة جنرالات؛ بل مؤسسة صلبة تمتد جذورها في كل بيت وقرية ومدينة. وهي رسالة للداخل أيضاً، بأن الوطن لن يكون رهينة الفتنة، ولن يسمح للمرتزقة بتغيير معادلاته، ولا للممول الأجنبي بأن يقرر مصيره.

ولعلّ ما يجعل هذا اليوم فارقاً هو أنه يأتي بعد عام كامل من الصبر والمقاومة والوعي، عام كشف فيه الشعب كل الوجوه المستترة، وقارن بين من يدافع عن الوطن، ومن يستقوي بالخارج.
يوم السبت ليس مجرد حشد؛ بل موقف تاريخي يؤسس لمرحلة جديدة في وعي الجماهير، تعيد قراءة الأحداث كلها من زاوية واحدة: أن السودان أكبر من أن يُشترى، وأعظم من أن يُستباح.

ومع انتهاء المسيرة، حين تهدأ الأصوات، وتتوقف الهتافات قليلاً، سيبقى ما في الصدور أكبر من كل ما يُقال. عندها سنرفع أكفّنا تضرعاً لله، نسألوه أن ينتقم ممن تآمر على هذا الوطن، ممن سفك دمه، ودمر مدنه، وشرد أهله.
أن يجازيهم من جنس عملهم، وأن يرد بأسهم في نحورهم، وأن يعجل القصاص العادل الذي لا خطأ فيه ولا مجاملة.
وسنسال الله أن يحفظ الجيش وأهله، وأن يربط على قلوب أمهات الشهداء، وأن يكتب للبلاّد أمناً يعيد أبناءها إلى بيوتهم وطلابها إلى مقاعدهم، وأن يجعل هذا السبت بداية لأيام لا يكون فيها صوت الرصاص أعلى من صوت الشعب وسنردد جيشاً واحد شعباً واحد

وأنا سأكتب للوطن حتى أنفاسي الأخيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

سابا بالشراكة مع منظمة الصحة العالمية تطلق مشروعًا لدعم الخدمات الصحية في ثلاث ولايات: 85 ألف مستفيد بالقضارف

بورتسودان :كوين برس تطلق سابا، بالتنسيق مع وزارة الصحة الاتحادية والولائية وبالشراكة مع من…